الحمد لله وحده
والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
من لزم خطاه فيا سعده
ومن جافاه فيا بعده
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له
ارسل الينا صفيه من خلقه
وامرنا بالاقتداء به والسير على اثره
واشهد ان محمدا عبده ورسوله
وصفيه من خلقه وحبيبه
ادى الامانه وبلغ الرسالة
ونصح للأمه فكشف الله به الغمة
وتركنا على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك
صلى الله عليه من نبي كريم
وعلى آله الاطهار الطيبين
وصحبه الاخيار المنتجبين
وسلم تسليما كثيرا
ثم اما بعد
احبتي في الله تكلمنا في الحلقة الماضية عن أهمية هذا الكتاب الذي بين ايدينا
وقلنا أنه في هذه الآونة أصبح لزاما على كل من ينتسب الى العلم أن يعلم ما فيه
بل لزاما على كل مسلم أن يعلم مافيه ذلك لأنه يحوي جل ما دعى الشارع الحكيم
الى تعلمه والعمل به فلا يستقيم ايمان عبد لو جهل هذه الأمور
ولا يستقيم عمل عامل أيضا لو جهلها
وقد بوب البخاري في صحيح باب " العلم قبل القول والعمل "
فبالعلم الصحيح ومن قبله الإخلاص يستقيم العمل ويرتفع الى اجواء القبول
فكما قيل أن للعمل جناحان يحلق بهما في اجواء القبول وهما الإخلاص والمتابعة
فالاخلاص عمل قلبي لا يأت به الا القلب السليم الذي علم عن الله
ما أوجبه الخوف منه ومراقبته والإذعان له بالطاعة والذل كما يوجبه ايضا محبته وإجلاله وإكباره
فلا يصرف أي عمل الى لوجهه الكريم لكونه قد انعقد قلبه على
حبه وطاعته وانه لا يستحق العبادة سواه
والإتباع هو عمل الجوارح بمقتضى ما علم المسلم من هدي نبوي في
كل كبيرة وصغيرة فيكون عمله موافقا لهديه صلى الله عليه وسلم وموافقا
لما وصله من خلاله من أوامر ونواه ولا يكون ذلك إلا بتعلم العلم الشرعي
لذلك فالعلم قبل القول والعمل
فاعلم يارعاك الله واعلمي اختاه أن الله عز وجل قد شرع لنا هذا الدين
وبين اصوله وفروعه في قرآن معجز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تنزيل من حكيم حميد .
وليعلم كل عاقل أن المصدر الثاني من التشريع هو سنة الحبيب المصطفى
الذي لا ينطق عن الهوى
والسنة إما قولا أو فعلا أو تقريرا والكتاب والسنة مكملين لبعضهما البعض
لا يصح عمل عامل لو أخذ باحدهما وترك الآخر ..
فالقرآن جاءنا بالمجمل والمفصل وجاءت السنة على ثلاثة اوجه
* إما مفسرة لما اجمل في كتاب الله
*وإما زائدة عليه ومضيفة اليه
*وإما صورة عملية لما جيئ فيه
لذلك قال بعض أهل العلم أن القرآن احوج الى السنة اكثر من احتياج السنة للقرآن
أي بمعنى اننا إذا اردنا فهم ما اغلق علينا في القرآن نحتاج الى السنة
ولبيان كيفية تأدية الأوامر واجتناب النواهي نحتاج الى السنة
وأن السنة اتت ايضا كمصدر مستقل في التشريع
ولهذا فلا يقبل عمل ولا صرف من عبد إذا انكرها أو أهملها
كذلك لا يكون عمل احدنا صحيحا يرجى قبوله لو لم يتعلم ما جاء فيها ثم يقتدى بها
في جميع أحواله
ثم بينا اخوتي الأسباب التي دعت المؤلفين الى تصنيف هذا الكتاب
وملخصه أن الأمة اليوم تمر بأزمة جهل لدى كثير ممن انتسب اليها
كما تمر بحرب على الثوابت ومحاولات تغريب طالت كثير من أهل القبلة
ما أثر ذلك في اعراضهم عن العلم الضروري الذي لا يستقيم دينهم الا به
كما تعرضت الأمة الى محاولات تشويه للمعتقدات والثوابت
ما جعل الحاجة ماسة لتعلم هذه الأمور التي وصفها المصنفين
بأنها أمور (لا يسع المسلم جهلها ) أي لا يستطيع المسلم لو جهلها أن يتحمل
عواقب ذلك أو لا يكمل ايمان المسلم في حال جهلها
وهذه الأمور التي تناولهاالمؤلفان و التي لا يسع المسلم جهلها
يقول عنها ابن عبد البر في معرض حديثه عن العلم الذي يتعين على المسلمين
كافة والذي لا يسع المسلم جهله
يقول ما نصه " والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض
المفترضة ، نحو الشهادة باللسان والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له
ولا شبيه له ولا مثل , ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
خالق كل شئ واليه مرجع كل شئ الحي الذي لا يموت
والذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه
وليس لأوليته ابتداء وليس لآخريته انقضاء ، وهو على العرش استوى .
والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه حق .
وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال
والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة
ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق .
وأن القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله يجب الإيمان بجميعه واستعمال مجمله .
وأن الصلوات الخمس فرض ، ويلزمه من هلمها علم مالا تتم إلا به
من طهارتها وسائر احكامها .
وأن اصوم رمضان فرض ويلزمه علم ما يفسد صومه وما لا يتم الا به
وأن كان ذا مال لزمه فرضا وأن يعرف ما تجب فيه الزكاة ومتى تجب وفي كم تجب .
وإن كان ذا كمال وقدرة على الحج لزمه فرضا أن يعلم بأن الحج فرض
مرة واحدة في دهره إن استطاع اليه سبيلا .
وإلا أشياء يلزم معرفة مجملها ولا يعذر بجهلها نحو تحريم الزنا والربا وتحريم
الخمر والخنزير وأكل الميتة والأنجاس كلها , والغصب والرشوة على الحكم
والشهادة بالزور , وأكل مال الناس بالباطل وبغير طيب نفس إلا كان شيئا لا يتشاح
فيه ولا يرغب في مثله وتحريم الظلم كله , وتحريم نكاح الأمهات والأخوات
ومن ذكر معهن وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق , وما كان مثل هذا كله
مما قد نطق الكتاب به وأجمعت الأمة عليه . .... إنتهى كلامه رحمه الله
وعلى هذا المنهج لفهم السلف الصالح لما يتعين على كل مسلم تعلمه وعلمه قام المؤلفان
حفظهما الله بتأليف كتابهما هذا الذي ارجو الله عز وجل ان يجعله مثقلا لموازينهما
يوم يلقونه سبحانه
كما ارجوه ان يرزقنا علمه وفهمه والعمل به على النحو الذي يرضيه عنا سبحانه
فلو تمعنا في كلام ابن عبد البر نراه ذكر جملة من الامور لا يصح ايمان المسلم
الاب تحقيها بعد علمها وهي اختصارا كالتالي
1- الشهادتين ومقتضاهما ما يستلزم تعلم أركان الإيمان وتعلم عقيدة
اهل السنة في الأسماء والصفات وهكذا
2- فرضية باقي اركان الإسلام الخمس من صلاة وزكاة وصوم وحج مع تعلم
ما لا يصح القيام بأي منها إلا به
3- تعلم ما هو معلوم من الدين بالضرورة والتي لا يعذر الجاهل بها أمام الله
عز وجل كتحريم الزنا والخمر والميتة والخنزير وأكل مال الناس بالباطل
غصبا كان او كرها أو احتيالا وتحريم نكاح المحرمات من النساء كما فصل
ربنا عز وجل ذلك في كتابه وبين رسولنا صلى الله عليه وسلم في سنته
وأشباه ذلك مما تقرر عند المسلمين أنه من المعلوم من الدين بالضرورة
وهذه هي الأبواب اللتي لا يخرج عنها الكتاب تقريبا
وسيكون لنا في تناولها اسلوبا ارجو أن يكون موفقا وهو أننا إذا تناولنا
نقطة او فصلا لن نكتف فيه بالعلم الضروري بل لعلنا نتوسع فيه شيئا قليلا
الى ما يزيد مداركنا حوله فيكون تعلمنا أشبه بالإلمام المبدأي بمبادئ شريعتنا الغراء
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل
كنت قد وعدتكم اننا سنبدأ الليلة بأول ابوبا الكتاب ولكن ارى أن الوقت قد مضى
من بين ايدينا سريعا ما سيدعونا الى تأجيله للحلقة القادمة إن شاء الله وقدر ولكن
سأطرح عليكم عنوانه ليقوم كل منكم بالقراءة عنه في كتب اهل العلم
ولا بأس لو سمع فيه محاضرات مسجلة حتى نلتقي يوم الإثنين المقبل
وعند كل منكم حوله حصيلة من المعلومات ما يثري لقاءنا أكثر فيكون بيننا تحاور وتفاعل
الفصل الأول من فصول الكتاب هو ( أركان الإيمان )
واليكم حديث جبريل الذي ذكرت فيه أركان الإيمان اجمالا وما اريد منكم هو التفصيل
والحديث كما عند مسلم في صحيحه عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ....
(بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَر
وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ.
فَقَالَ: يَامُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟
فَقَالَ ((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزّكَاةَ
وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)).
فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟
قَالَ ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟
قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟
قاَلَ: ((مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)).
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟
قَالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ)).
قَالَ: فَمَضَى فَلَبِثْنَا مَلِياًّ.
فَقَالَ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عُمَرُ؛ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ))؟
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: ((هذَا جبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ)).
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو ذلل أو نسيان
فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء
وأعوذ بالله أن اكون جسرا تعبرون عليه الى الجنة ثم يهوى به في جهنم
ثم اعوذ بالله أن اذكركم به وأنساه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .