حقيقة العقيدة السلفية
هذه العقيدة السلفية -عقيدة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ- عقيدة إجماعية ليست عقيدة ابْن تَيْمِيَّةَ ولا عقيدة ابن القيم
ولا أَحْمدُ بُن حَنْبَل ؛ بل هي عقيدة الصدر الأول، عقيدة السلف الصالح جميعاً.
ولكن شَيْخَ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ جمع كثيراً من النقول، وهذَّب ورتَّب وخاض في قضايا كلامية حدثت بعد الصدر الأول
فأجاد في رد الشبهات وعرض المسائل.
وتكون المسألة هي عقيدة السلف من قديم، لكن شَيْخَ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ يُحسن عرضها ويُحسن الدفاع
عنها بعرض الشبهات الواردة عليها، ثُمَّ نقضها شبهة شبهة، وكذا ابن القيم .
فنتيجة للعصر والضغط الذي كَانَ يعانيه ابن أبي العز لم يكن من المصلحة أن يشير إليهما.
فالمبتدعة ينظرون إِلَى أن أي كلام يقوله ابْن تَيْمِيَّةَ فهو باطل، وهذا من أكبر الجهل وأرذل أنواع التعصب.
فكان إذا قيل قال ابْن تَيْمِيَّةَ ...ردوه، وإذا رأوا كتاباً من كتب ابْن تَيْمِيَّةَ ... لم يقبلوه إطلاقاً
بحيث أنك لو جئت إِلَى مسألة ولم تذكر ابْن تَيْمِيَّةَ . فقلت: قال بعض المحققين؛ لوجدت قبولاً ولقيل: هذا التحقيق جيد.
فهنا تجلت مهارة الشيخ القاضي ابن أبي العز ، بأنه راعى جانب المصلحة الشرعية عَلَى جانب الأمانة العلمية من العزو إليهما.
سبب اختيار عقيدة السلف
عقيدةُ السلف أو عقيدةُ أهْلِ السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ لا يختارها طالب العلم تشهياً، وإنما هي العقيدة التي يجب أن تُعتقد
ولا يجوز أن يُتعبد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بغيرها.
نقول ذلك واثقين؛ لأن هذا الحكم شرعي قطعي لا يجوز لأحد أن يُخالف فيه
ولدينا من الأدلة عليه ما هو كافٍ -بإذن الله- لإزالةِ كل شبهة، ودحض كلِ افتراء، فهذه العقيدة لها من المميزاتِ
العظيمة ما يؤهلها ويجعلها العقيدة الوحيدة، التي لا يجوز أن نتعبد بغيرها ولا يُعتقد غيرها.
من خصائص العقيدة السلفية
أنها العقيدة الوحيدة الربانية -ربانية المصدر- وكل عقيدة غير عقيدة السلف تجد مصادرها إما من كلام اليونان
وإما من كلام ما يسمون بالحكماء القدماء، وإما من كلام دعاة البدعة والضلالة، إلا هذه العقيدة فإنها نقية صافية
ليس فيها عن أحد ولا عن بشر إلا الفهم الذي يفهمه بعض العلماء من نصوص الوحي، فمصدرها هو الوحي.
فكما أن الإسلام هو الدين الرباني الوحيد في الأرض الذي مصدره الوحي، ولكن يجتهد العلماء في التفريعات
في بعض الفروع العملية ليطبقوها عَلَى ضوء الأصول المنزلة، فكذلك عقيدة السلف هي بأصولها العامة
عقيدة ربانية مصدرها الوحي؛ لكن تجد بعض المسائل يُجتهد فيها من خلال هذه الأصول التي هي ربانية المصدر.
ولهذا قيل: إن أهل السنة في أهل الإسلام مثل أهل الإسلام في سائر الملل، فالعقيدة السلفية
هي كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما فهمه الجيل الأول، فهي تعبر عن حقيقة الإسلام
فكل ميزة من ميزات الإسلام فهي في هذه العقيدة.
وهي عقيدة إجماعية. فكل العقائد الأخرى عقائد أشخاص وأفراد، فالاعتزال يعرف بالتاريخ العام المحايد
وذلك بمعرفة مَن هو أول من أنشأ مذهب الاعتزال وكذا الأشعرية ، بل ونأخذ القضايا العلمية -مثلاً- فنعرف
من هو أول من قال بالكلام النفسي، وأول من قال بالكسب في القضاء والقدر، فنعرف بالتاريخ المحايد العام متى بدأت
هذه العقيدة، إلا عقيدة السلف -والْحَمْدُ لِلَّهِ- لأنها هي نفس القُرْآن والسنة وتربية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وفهم الصحابة رضوان الله عليهم، فنجد هذا القول في كتاب الله وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ولا يوجد بين أصول مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أي أصل أبداً حدث بعد هذه القرون المفضلة، أو حدث من غير الكتاب والسنة
فهي إذاً عقيدة إجماعية.
أما غيرها فهي عقائد أشخاص وأفراد قد يكون لديهم من الذكاء والامتياز الذهني والتعمق العقلي الشيء الكثير
لكن يخالفهم في عقلهم من هو مثلهم عقلاً وفهماً.
بل كثير من مؤسسي العقائد البدعية نشؤوا وماتوا مقهورين محتقرين
فإن الجعد بن درهم الذي جَاءَ ببدعة نفي الصفات قتل.
وقال خالد بن عبد الله القسري وهو من ولاة بني أمية: أيها الْمُسْلِمُونَ انحروا ضحاياكم -تقبل الله منكم
فإني مضح بـالجعد بن درهم ، فإنه أنكر أن الله كلَّم موسى تكليماً، وذبحه ونحره يوم النحر، والْمُسْلِمُونَ يومئذ ينظرون
وارتاحت صدورهم لذلك. وهذا الرجل أصل نشأة تعطيل (نفي) الصفات.
وتلميذه الجهم بن صفوان قُتِلَ كما قُتِلَ الجعد ، حتى لما جيء به إِلَى سلم بن أحوز وكان عَلَى شرطة بني أمية
في خراسان قَالَ: لا تقتلني أرجوك؟!!
فقَالَ: والله يا جهم ما أقتلك لأنك ذو شأن في السياسية أو المعارضة ضد الدولة، لكن بلغتني عنك أقوال أقسمت
بالله إن مكنني الله منك لأضربنَّ عنقك.
وهو الذي أسس العقيدة الجهمية .
وأيضاً عبد الله بن سعيد بن كلاب الذي أسس عقيدة الكلابية والتزمها الأشعري في الفترة الثانية
من حياته قبل أن يرجع إِلَى مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
وكذا الحارث المحاسبي وكان له ميل إِلَى التصوف والكلام، أمر الإمام أَحْمدُ بن حَنْبَل بهجرهما فهجرا
ولم يكن يقربهما من طلاب العلم إلا القليل النادر؛ لهجر علماء السنة لهم، وعلى رأسهم الإمام أَحْمَد .
وكذلك عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء ، وأمثالهم ممن أسسوا مذهب الاعتزال
اتفقت كتب الجرح والتعديل عَلَى القدح والطعن فيهم.
فأي عقيدة غير عقيدة السلف الصالح إنما هي محدثة بعد القرون المفضلة أو في أثنائها
وكانت محتقرة ومهجورة من علماء وأئمة الدين.
ومنذ القرن الثالث تقريباً إِلَى اليوم، يتبع أكثر الْمُسْلِمِينَ الأئمة الأربعة، وبطبيعة الحال
فإن الشَّافِعِيّ والمزني والأسفرائيني والأصبهاني الذي ألف كتاب بيان الحجة ، علماء وراء علماء
وطبقات وراء طبقات، في مذهب الشَّافِعِيّ ، كلهم عَلَى مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
وكذلك تجد الإمام أبي حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ عَلَى مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ
وكان مُحَمَّد بن الحسن الشيباني وأبو يوسف كذلك، ثُمَّ جَاءَ الإمام أبو جعفر الطّحاويّ
الذي وضع متن هذه العقيدة وهو من الحنفية. وهكذا كثير ممن ينتمي إِلَى مذهب أبي حنيفة
وهم من أئمة المذهب هم عَلَى هذه العقيدة.
ثُمَّ مذهب الإمام مالك وهو إمام أهل الأثر جميعاً، وهو عَلَى مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ -ولله الحمد- وتلاميذه
كـابن القاسم وابن الحسن وأمثالهم، ثُمَّ من بعدهم كـابن عبد البر وهو من أكبر علماء المغرب وكتبه معروفة ومشهورة
كانوا كلهم عَلَى مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
ثُمَّ الإمام أَحْمَد -إمام أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ - وكذلك أتباعه استمروا عَلَى منهج أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ
إِلَى القرن العاشر وربما إِلَى اليوم.
وهكذا نجد الإمام الشوكاني والصنعاني وابن الوزير وأمثالهم من علماء الزيدية ، لما توسعوا في العلم وتبحروا
انتقلوا من الزيدية إلى مذهب السلف .
فالشاهد أن هذه العقيدة إجماعية من عدة نواحي:
أ- أنها لم يكن غيرها في القرون الأولى، وما وجد في تلك القرون من عقيدة فاسدة فإنها مرذولة مردودة
لأن أكثر علماء الأمة كأصحاب الأمهات الست ، حتى أئمة اللغة الكبار كانوا عَلَى مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ -ولله الحمد-.