إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره وعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا انه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدا
عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه. أما بعد
استمر المصنف في ذكر ما فضل الله بعضه على بعض وما اختاره الله بعد خلقه ليكون عنده مفضلا وبين الناس مفضلا
"وربك يخلق ما يشاء ويختار"
فذكر رحمه الله اختيار ربنا ليوم النحر ليكون افضل الايام واكرمها على الله كما في ((السنن)) عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((أَفْضَلُ الأيَّامِ عِنْدَ اللَهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ القَرِّ)). الراوي: عبدا لله بن قرط المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: تخريج مشكاة
المصابيح - الصفحة أو الرقم: 3/90
واختياره عشر ذي الحجة لتكن افضل الايام كما ثبت في البخاري " عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله
عليه وسلم: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالح فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هذه الأيَّامِ العَشْرِ)) قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: ((وَلاَ
الجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ ومَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ))" وهي الأيام العشر التي اقسم الله بلياليها في
كتابه
" وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ" وقد يقول قائل هل يوم النحر خي رمن يوم عرفه ...؟
نقول بتوفيق الله نعم وهذا ما نص عليه الحديث الشريف المذكور
فقال رحمه الله في بيان ذلك :
القول بأن يوم النحر افضل هو الصحيح لأن الحديثَ الدالَّ على ذلك لا يُعارضه شيء
يُقاومه، والصوابُ أن يومَ الحج الأكبر هو يومُ النَّحر، لقوله تعالى: {وَأَذَانٌ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الأكْبَرِ} [التوبة: 3]
وثبت في ((الصحيحين)) أن أبا بكر وعلياً رضي اللّه عنهما أَذَّنَا بِذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ، لاَ يَومَ عَرَفَةَ. وفي ((سنن أبي داود)) بأصح إسناد أن
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: ((يوم الْحَجِّ الأكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ))، وكذلك قال أبو هريرة، وجماعةٌ من الصحابة، ويومُ عرفة مقدِّمة
ليوم النَّحر بين يديه، فإن فيه يكونُ الوقوفُ، والتضرعُ، والتوبةُ، والابتهالُ، والاستقالةُ، ثم يومَ النَّحر تكون الوفادةُ والزيارة، ولهذا سمي
طوافُه طوافَ الزيارة، لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم ربُّهم يوم النَّحر في زيارته، والدخولِ عليه إلى بيته، ولهذا
كان فيه ذبحُ القرابين، وحلقُ الرؤوس، ورميُ الجمار، ومعظمُ أفعال الحج، وعملُ يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم.
فضل عشر ذي الحجة على غيره من الأيام فكما ذكرنا في الحديث التقدم فضل ايام ذي الحجة العشر الاول منه وانه لا يفضلها ايام فقد يقول قائل ايضا هل هي خير من الايام
العشر الاخر من شهر رمضان والامر هنا فيه تفصيل
فالايام العشر من ذي الحجة افضل "نهارها " اما ليالي العشر الاخير من رمضان فهي افضل "ليلا "وافضلية الايام العشر ترجع لان
فيها يوم النحر وايام ويوم عرفة اما افضلية ليالي العشر الاخر من رمان فلان فيها ليلة القدر التي هي افضل الليالي على الاطلاق
كما سنبين
ثم بين رحمه الله فضل شهر رمضان على بقية الشهور وتفضيل لياليه العشر الأخر على باقي ليالي العام وليلة القدر على جميع
الليالي قاطبة
وذكر رحمه الله قول البعض بتفضيل ليلة الاسراء على ليلة القدر فاورد جواب شيخه ابن تيمية رحمه الله حيث بين رحمه الله ان
تفضيل ليلة القدر ثابت بالكتاب والسنة ففي الكتاب قول الله عز وجل
(( إنا أنزلنه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير
من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلامٌ هي حتى مطلع الفجر )) وفي السنة قول النبي صلى الله
عليه وسلم كما في الصحيحين
((تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ))وكما فيهما ايضا من قوله صلى الله عليه وسلم
((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَاناً واحْتِسَاباً، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) اما ليلة الاسراء فشرفها في ذاتها أي ليلة اسري بالنبي نفسها
وليس مثيلاتها من كل عام وما اثر عن الصحابة والتابعين لهم باحسان ان احدا منهم احياها او تحراها كما انه ليس معلوما يقينا
وقتها وفي أي شهر من شهور العام هي
وهنا احبتي ونحن بين يدي الشهر الكريم الذي قد اظلنا هلاله وقرب علينا زمانه ارى انه من الإحسان ان نذكر بعضا عن فضائله
وحقه على امة القرآن الذي انزل فيه
(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو
على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)
البقرة "185شهر رمضان أيها الأحبة ضيف عزيز جليل كريم يهل علينا بأنفاسه الخاشعة الزاكية وبرحماته الندية، والعاقل الذى يقدر كل شئ
قدره هو الذى يستعد لضيفه إن كان كبيرا كريما قبل نزول ضيفه عليه وأنا لا أعلم ضيفاً هو أكرم على الله سبحانه وتعالى من هذا
الضيف الكريم إنه شهر القرآن إنه شهر الصيام، إنه شهر الإحسان، إنه شهر العتق من النيران، اللهم اجعلنا من عتقائك فيه من النار
ومن المقبولين ، هذا الشهر الذى كان فيه الحبيب يحتفى به حفاوة بالغة.
ففى الصحيحين من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه
أن النبى قال:
" إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة"- وفى لفظ مسلم:" فتحت أبواب الرحمة" ** وينادى منادٍ : يا باغى الخير أقبل ويا
باغى الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك فى كل ليلة حتى ينقضى رمضان"وفى رواية الترمذى بسند صحيح أنه قال:" إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن".
فقد يسأل سائل أن الذنوب تقل فى رمضان لكنها لا تنقطع فكيف ذلك وقد ذكرت الآن أن الشياطين تصفد وكذاك المردة والجواب
فى قوله تعالى:
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) سورة يوسف. وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه- أنه قال: قال الله تعالى- فى الحديث القدسى الجليل-:
كل عمل ابن آدم له
إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به والصيام جنة-أى وقاية- فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل
إنى صائم، فليقل إنى صائم، والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما
إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه"اللهم اجعل يوم لقائنا بك اسعد أيامنا يا رب العالمين،" وللصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه".
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه قال:" من صام رمضان إيماناً وإحتساباً" أى إيماناً بالله واحتساباً بالأجر من الله-" من صام
رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه- أنه قال:
من قام ليلة القدر إيماناً وإحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"والاحاديث في فضلة اكثر من ان تحصى
فمغبون ورب الكعبة من استمع إلى هذه الطائفة النبوية الكريمة ثم قصر ثم ضيع الأوقات فيما لا فائدة فيه بل ربما فيما يسخط الله
عليه، مغبون من ضيع هذا الموسم الكريم من مواسم الطاعة رغم أنف عبد، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، من هذا؟ عبد أدرك رمضان
ثم انسلخ رمضان قبل أن يغفر له رغم أنفه اي ذل وهان وعرض نفسه للهلاك والخسران أن يقبل عليه شهر الرحمات وأن ينسلخ
الشهر كله وهو غارق فى الشهوات غارق فى المعاصى والملذات عاكف على المباريات والأفلام والمسلسلات
مغبون لم يعرف شرف زمانه ، ولم يعرف قدر وقته، ولم يعرف أن العمر يولى، والأيام تجرى، والأيام تمر والأشهر تجرى وراءها
تحسب معها السنين وتجر خلفها الأعمار وتطوى حياة جيل بعد جيل بعد جيل، وبعدها سيقف الجميع بين يدى الملك الجليل
للسؤال عن الكثير والقليل قال سبحانه":فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " سورة الزلزلة
اللهم يا ربنا نسألك سؤال الذليل الكسير سؤال من لا غنى له عن رحمتك ان تشملنا في واسع عفوك وان تهله علينا وقد كتبتنا
فيه من المقبولين المرحومين المعتقين من نيرانك الفائزين بجنانك ولا تجعلنا ربنا من الخاسرين برحمتك يا ارحم الراحمين
هذا واصلي واسلم على المبعوث رحمة للعالمين امام المتقين سيد الاولين والاخرين الرحمة المهداة والنعمة المسداة السراج
المنير وعلى اله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين
هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
اللهم اجعل جمعنا مرحوما وتفرقنا من بعده معصوما لا تجعل منا ولا بيننا ولا حولنا شقيا ولا محروما
اللهم امين امين امين
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين