سلسلة مبادئ علم اصول الفقه ((الحلقة الأولى ))

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه

وبعد؛

فهذه نبذة مختصرة عن مبادئ علم أصول الفقه، وتتضمن المبادئ العشر لتعلم العلوم

وهي ما نظمها محمد بن علي الصبّان ( ت 1206هـ )، حيث قال:

إن مبادئ كل فن عَشَـرَة الحـد والموضــوع ثم الثمــرة

وفضله ونسبه والواضــع والاسم والاستمداد وحكم الشارع

مسائل والبعض بالعض اكتفى ومن درى الجميــع حاز الشرفا( )


المبدأ الأول: حد أصول الفقه وتعريفه:

من المعلوم أنه قبل أن يخوض إنسان في علم من العلوم يتعين عليه أن يتصور هذا العلم، وأفضل طريق لتصور علم من العلوم هو معرفة

حدّ هذا العلم ( أي تعريفه ) قال الإسنوي (ت772هـ): " اعلم أنه لا يمكن الخوض في علم من العلوم إلا بعد تصور ذلك العلم

والتصور مستفاد من التعريفات

وقال الآمدي ( ت 631هـ ): " حق على كل من حاول تحصيل علم من العلوم أن يتصور معناه أولاً بالحد أو الرسم

ليكون على بصيرة فيما يطلبه

لهذا نبدأ بتعريف أصول الفقه:

يعرَّف أكثر الأصوليين أصول الفقه باعتبارين: باعتباره مركباً تركيباً إضافياً وباعتباره علماً ولقباً يطلق على علم معين.

الاعتبار الأول: تعريف أصول الفقه باعتباره مركباً تركيباً إضافياً:

لو نظرنا في اسم هذا العلم لوجدناه مركباً من كلمتين هما ( أصول ) و ( الفقه ) والأولى منهما مضافة للثانية

لهذا يسمى هذا الاعتبار بالتعريف الإضافي.

ومعرفة المركب مبنية على معرفة أجزائه، لهذا لا بد من تعريف الأصول لغة واصطلاحاً وكذلك الفقه:

أ) الأصول في اللغة: جمع أصل وهو أسفل الشيء وأساسه، وعلى هذا نصت كثير من كتب اللغة

وقد ذكر الأصوليون عدة معانِ للأصل في اللغة، أورد منها شيخنا د. يعقوب الباحسين عشرة معان

إلا أن المعاني اللغوية التي يذكرها الأصوليون لا تخرج عن المعنى الذي ذكره علماء اللغة

فإن من خصائص الأساس: أنه يتفرع عنه غيره وينشأ منه وينبني عليه ويستند إليه ويحتاج إليه ويفتقر إليه ويكون متأخراً عنه...

ب) الأصول في الاصطلاح: له عدة معانٍ أهمها ثلاثة:

1) الدليل: كقولهم: الأصل في وجوب الحج قوله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} أي دليل وجوبه.

2) القاعدة: كقولهم: "الأمور بمقاصدها" أصل من أصول الشريعة، أي قاعدة من قواعدها.

3) الراجح: كقولهم: "عند تعارض الحقيقة والمجاز فالحقيقية هي الأصل" أي الراجح عند السامع ( ).

ج) ما المراد من الأصول في تعريف ( أصول الفقه ) ؟ هل المراد منها معناها اللغوي ؟

أو أنها مستعملة في واحد من المعاني الاصطلاحية ؟ وإذا كانت مستعملة في واحدة منها فما هو هذا المعنى ؟

الراجح أن المراد من الأصل في تعريف أصول الفقه معناه اللغوي، وهو الأساس الذي ينبني عليه غيره؛

لأن الفقه يبنى على الأدلة وعلى القواعد الأصولية، وإذا حملنا (الأصول) على معناها اللغوي كان ذلك شاملاً للدليل والقاعدة، أما إذا

حملناها على الدليل فقط أو القاعدة فقط فيكون في ذلك قصر لأصول الفقه على أحد ما يبنى عليه دون الآخر. ولا يقال إنه يحمل على

الدليل والقاعدة معاً؛ وذلك لأن اللفظ المشترك لا يحمل على معنييه معاً، فلا يحمل لفظ العين على الباصرة والجارية معاً، كذلك لا يحمل

أصول الفقه على الدليل والقاعدة معاً. بخلاف ما لو قلنا: إن المراد بالأصول هو المعنى اللغوي

د) الفقه لغة: " العلم بالشيء والفهم له " ( ).

هـ) والفقه اصطلاحاً:

" العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية "

وهذا تعريف جمهور الأصوليين