الحمد للّه ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، ولا إِلهَ إلا اللّه إِله الأوّلين والآخرين، وقيُّوم السماواتِ والأرضين،
ومالكُ يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عِزَّ إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته
ولا هدى إلا في الاستهداء بنوره، ولا حياة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في قربه
ولا صلاح للقلب ولا فلاح إلا في الإِخلاص له وتوحيد حبِّه
فصل : في هديه في النكاح ومعاشرته صلى الله عليه وسلم أهله
*:*:**:*:*:**:*:*:*:*:**:*:*:*:*:*:*:*:*:*:*:*:*:*:*:*
صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي اللّه عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((حُبِّبَ إليَّ، مِن دُنْيَاكُم: النِّسَاءُ،
والطِّيْبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ))
كان صلى الله عليه وسلم ذو خصوصيات في شان زواجه
فقد اختص بالزواج اكثر من اربعة دون رجال الامة
وقد اختصه الله بقوة ثلاثين رجلا في الجماع وغيره فكان يطوف على نسائه في ليلة واحدة
ومما اختصه الله به ايضا ان القسم بينهن في المبيت لم يكن واجبا عليه بخلاف باقي رجال الامة فالقسم في ذلك واجب
واختلف الفقهاء في كون القسم بين زوجات النبي واجبا عليه ام لا
وقد تكلمنا عن زوجاته وعرفنا انه تزوج احدى عشر امرأة الا انه لم يجمع الا تسعة في وقت واحد
وورد عنه صلى الله عليه وسلم انه طلق وراجع وآلى (من الايلاء) لمدة شهر
ولم يظاهر قط ومن قال انه ظاهر من نسائه فقد اخطأ خطأ كبيرا
اما بخصوص طلاقه فقد روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
{كانت حفصة وعائشة متحابتين، وكانتا زوجتي النبي صلى الله عليه وسلم
فذهبت حفصة إلى أبيها فتحدثت عنده، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته
فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه (حفصة)فرجعت حفصة فوجدتهما في بيتها
فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته، ودخلت
حفصة، فقالت: قد رأيت من كان عندك، والله لقد سؤتني .....
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والله لأرضينك، فإني مسر إليك فاحفظيه»، قالت: ما هو؟ قال:
«إني أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام رضىً لك"
وكانت حفصة وعائشة تتظاهران على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت حفصة إلى عائشة
فأسرت إليها: أن أبشري، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرّم عليه فتاته.
فلما أخبرت بسر النبي صلى الله عليه وسلم أظهر الله ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فأنزل الله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}
ويحكي لنا الله هذه القصة في كتابه قائلا
"وإذ أسرَ النبيُّ إلى بعض ِ أزواحه ِ حديثاً فلما نبأت به ِوأظهرهُ اللهعليه ِ عرّفَ بعضهُ وأعرضَ عن بعض
فلما نبأها به ِ قالت من أنبأكَ هذا ، قالَ نبأنيَ العليمُ الخبير* إن تتوبآ إلى الله ِ فقد صَغَت قلُبُكُما
وإن تظاهرا عليه ِ فإنَّ اللهَ هوَ مولاهُ وجبريلُ وصالحُ المؤمنين َ، والملائكة ُ بعدَ ذلكَ ظهيرٌ "
وذكر القرطبي في تفسيره عن الكلبي قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة،
فطلقها تطليقة، فنزلت الآية وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
حتى حصل مرة أن طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة فدخل عليها خالاها: قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت وقالت:
والله ما طلقني عن سبع (تعني بغض أو عيب أو نقص) فجاء جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له:
«راجع حفصة فانها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة».وقد هزّ هذا الطلاق عمر الفاروق رضى الله عنه
فحثى على رأسه التراب عندما سمع بالخبر وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد اليوم.
وقد آلى النبي من ازواجه شهرا واليكم سبب ذلك
من حديث عائشة كما عند البخاري "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء
وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ، فيدنو من إحداهن ، فدخل على حفصة بنت عمر
فاحتبس أكثر ما كان يحتبس ، فغرت ، فسألت عن ذلك ، فقيل : أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل
فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة ، فقلت : أما والله لنحتالن له
فقلت لسودة بنت زمعة : إنه سيدنو منك ، فإذا دنا منك فقولي : أكلت مغافير
فإنه سيقول لك : لا ، فقولي له : ما هذه الريح التي أجد منك ، فإنه سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل
فقولي له : جرست نحلة العرفط ، وسأقول ذلك ، وقولي أنت يا صفية ذاك . قالت :
تقول سودة : فوالله ما هو إلا أن أقام على الباب ، فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقا منك
فلما دنا منها قالت له سودة : يا رسول الله ، أكلت مغافير ؟ قال : ( لا ) . قالت : فما هذه الريح التي أجد منك ؟
قال : ( سقتني حفضة شربة عسل ) . فقالت : جرست نحلة العرفط ، فلما دار إلي قلت له نحو ذلك ، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك ، فلما دار إلى حفصة قالت : يا رسول الله ، ألا أسقيك منه ؟ قال : ( لا حاجة لي فيه )
قالت : تقول سودة : والله لقد حرمناه ، قلت لها : اسكتي"
وكانت هذه الواقعة هي سبب ايلائه صلى الله عليه وسلم لأزواجه
الإيلاء
===
وَهُوَ حَلِفُ زوْجٍ باللهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَتِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي قُبُلِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
قال الله سبحانه: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)
وَهُوَ حَلِفُ زوْجٍ باللهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَتِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي قُبُلِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
بحيث لو راجعها خلال هذه الاشهر الاربعة يكون ذلك رجوعا في يمينه وقد فرض الله تحلة ايمانكم وإن مرت الاربعة اشهر ولم يجد في
نفسه الرغبة في المراجعة فليكن وقتها الطلاق
ولقد شرع الله الايلاء لمن وجد في نفسه عدم رغبة او تغير في محبته تجاه امرأته فليكن الايلاء حتى اذا بعد الزوجين لفترة فلربما شعر
كل منهما لاحتياجه للاخر فلا تخرب البيوت بالطلاق المتسرع
فاربعة اشهر وقت كاف لاختبار كل واحد منهما حقيقة مشاعرة تجاه الخر بل واختبار امكانية تحمله للحياة بدونه
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ او ذلل او نسيان فمني ومن الشيطان
والله ورسوله منه براء
واعوذ بالله ان اكون جسرا تعبرون عليه الى الجنة ثم يهوى به في جهنم
ثم اعوذ بالله ان اذكركم به وانساه
واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين