الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على الظالمي
احمده سبحانه حمد العارف بفضله الراغب فيما عنده المستعين بقوته الراجي رحمته
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له اصطفى من الناس صفوته
وارسل الينا في شخص نبيه رحمته
وامرنا بالسير على نهجه واتباع سنته
صلى الله عليه بلغ في كل خٌلق جميل ذروته
وعلى اله الطيبين الذين هم خاصته وعطرته
وعلى صحبه المنتجبين الذين اختصهم الله فنالو صحبته
وسلم تسليما كثيرا وبعد؛
احبتي في الله تكلمنا فيما سبق عند ذكر المصنف عنه صلى الله عليه وسلم انه
باع واشترى تكلمنا عن البيع ومشروعيته والحمة من ذلك وشروطه وهكذا
ثم تحدثنا عن المضاربة الاسلامية ومشروعيتها واحكامها وشروطها
ثم دار بنا الحديث حول الشركة في الاسلام لما وصلنا الى قول المصنف
" وشارك رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولما قدم عليه شريكهُ قال: أما تَعرِفُني؟
قال: ((أما كُنْتَ شَرِيكي؟ فَنِعْمَ الشَّرِيكُ كُنْتَ لا تدَارِي ولا تُمَارِي))والليلة نحن مع قول المصنف رحمه الله
"وأهدى، وَقَبِلَ الهدية، وأثاب عليها، ووهب، واتّهَبَ، فقال لسلمة بن الأكوع
وقد وقع في سهمه جارية: ((هَبْهَا لِي)) فوهَبَها له، فَفَادَى بها مِنْ أهْلِ مكّة أُسَارَى مِنَ المُسلمين ".
الهبة لغة
مشتقة من هبوب الريح، يقال: هبت الريح؛ وذلك لأن الريح خفيفة وهبوبها خفيف
ثم سميت الهبة بذلك لخفتها على مال الواهب يقال وهبه يهبه وهباً إذا أعطاه بلا عوض والاستيهاب :
طلب الهبة وسؤالها .الهبة إصطلاحاً
تمليك إنسان مالاً لغيره في الحياة بلا عوض
وتسمى هبة التبرع أو التبرر، فإن صرف لها عوضاً سميت هبة الثواب؛ لأنه يطلب لها أجراً.
فإذا قال: وهبتك هذا الكتاب على أن تعوضني منه ثوباً أو كيساً
فإن هذه هبة ثواب وهي من أنواع البيع ولها أحكام البيع
الفرق بين الهبة والبيع والإعارة والوصية والعطية
كل من هذه الصور ينتج عنها انتقال ملكية الشئ من فرد الى آخر
إلا ان الاختلاف بينها في كيفية نقله
فإذا كان بعِوَضٍ صار بيعاً
وذا كان التمليك في الحياة فقط صار إعارة
او إذا استردت الهبة أي انتفع بها لوقت معلوم صارت إعارة
وإذا وهب الشيء وأضيف إلى ما بعد الوفاة صار وصية
و تسمى الهبة في مرض الموت عطية
والمرض نوعان :
1- مرض غير مخوف كالصداع والزكام وألم الضرس وغيرها
فهبة المريض في هذه الحالة صحيحة كهبته في حال الصحة .
2- مرض مخوف ، وهو ما يحصل الموت بسببه عادة , كالسرطان والسل والطاعون ونحوها
ففي هذه الحالة تكون عطاياه في حكم الوصية فإن أعطى شخصاً غير الورثة
فلا تصح العطية إلا إذا أجازه الورثة ، وإن أعطى شخصاً غير وارث فلا تصح بما زاد عن الثلث
إلا إذا أجازها الورثة ، هذا إذا مات من المرض ، وأما إن كتبت له السلامة
صحت عطيته كما في حال الصحة ، والله تعالى أعلى وأعلم ...
مشروعيتها
قد دلت النصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم
على مشروعية الهبة والعطية، فالآيات التي وردت في استحباب الإحسان وبذله إلى الناس
والآيات التي دلت على الترغيب في المعروف، وإسداء الخير إلى الناس من حيث الأصل
تعتبر دالةً على مشروعية الهبة والعطية، خاصةً وأن الهبات والعطايا قد يراد بها
وجه الله عزَّ وجل حينما يهب المسلم لأخيه المسلم شيئاً مما يملكه حتى
تزداد المحبة بينهما، وتقوى أواصر الأخوة ووشائج الإسلام التي تربط
بين المسلم وإخوانه، فتكون الهبة والعطية عبادةً من هذا الوجه
حكم الهبة :-
وحكمها : مستحبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تهادوا تحابوا )
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل : أي الصدقة أفضل ؟
قال : ( أن تصدق وأنت صحيح حريص ، تأمل الغنى وتخشى الفقر
ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ) .
وشروط الهبة
يشترط للهبة ثلاثُ شروط .. هي
1- أن تكون الهبة من شخص جائز التصرف فلا تصح هبة الصغير والمجنون ونحوهما ..
2-أن يكون الواهب مختاراً فلا تصح الهبة من مكره
3-أن يكون الواهب جاداً لا هازلاً , فلا تصح هبة الهازل
وتصح هبة مصحف وكل ما يصح بيعه وتنعقد بما يدل عليها عرفاً
وتلزم بقبض الشيئ الموهوب بإذن واهبه
حكم الرجوع في الهبة :
يحرم على واهب أن يرجع في هبته بعد قبض، وكره قبله.
إذا قبض (الموهوب له) الهبة فقد تملكها ولزمت هذه الهبة
ولا يجوز للواهب أن يرجع فيها بعد ذلك إلا الأب فيما وهبه لولده فيجوز له الرجوع فيه
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
( العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه )
حكم الهبة للأولاد :
يجب على الوالد أن يعدل في هبته لأولاده ، والعدل بين الذكر والأنثى
يكون بإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين كما في قسمة الميراث
فإذا وهب للذكر مائة , وهب للأنثى خمسين وهكذا اقتداءً بقسمة الله تعالى للميراث بينهم
والدليل على وجوب العدل بين الأولاد حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه
أن والده نحله غلاماً وأراد أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال له
( أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ ) قال : لا , قال صلى الله عليه وسلم
( فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )
هذا واصلي واسلم على من ارسله ربه رحمة وهدى للعالمين
بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا وعلى آله وصحبه وسلم تسلينا كثيرا
والحمد لله رب العالمين