الحمد للّه ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين
ولا عُدوان إلا على الظالمين
ولا إِلهَ إلا اللّه إِله الأوّلين والآخرين
وقيُّوم السماواتِ والأرضين
ومالكُ يوم الدين
الذي لا فوز إلا في طاعته
ولا عِزَّ إلا في التذلل لعظمته
ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته
ولا هدى إلا في الاستهداء بنوره
ولا حياة إلا في رضاه
ولا نعيم إلا في قربه
ولا صلاح للقلب ولا فلاح إلا في الإِخلاص له وتوحيد حبِّه
احبتي في الله الليلة موعدنا مع نوع جديد من المعاملات الاسلامية
والتي فيها النبي صلى الله عليه وسلم جميعها انموذجا حيا للكمال البشري
كيف لا وهو " القائل الدين المعاملة "
كيف لا وهو لذي قال فيه ربه " وإنك لعلى خلق عظيم "
والذي قال عنه مولاه " لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم "
حديثنا الليلة حول قول المصنف رحمه الله :
" واستدان برهن، وبِغير رهن، واستعار، واشترى بالثمن الحالِّ والمؤجَّلِ."
الرهن
الرهن في اللغة :
الرهن في اللغة هو الثبوت والدوام يقال : ماء راهن أي راكد , وحالة راهنة أي ثابتة دائمة .
ويأتي بمعنى الحبس واللزوم , ومنه قول الله تعالى
{ كل نفس بما كسبت رهينة } ( المدثر : 38 ) أي محبوسة
والظاهر أن في الحبس معنى الدوام والثبوت , فأحد المعنيين تطور للمعنى الآخر .
والمعنى المقدم كما يبدو هو الحبس لأنه المعنى المادي .
وعلى كل حال فالمعنى الشرعي ذو صلة بالمعنى اللغوي
وقد يطلق الرهن لغة على الشيء المرهون
"وهو ما جعل وثيقة للدين من باب تسمية المفعول بالمصدر
فيقال الرهن هو المال الذي يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه
إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه .
الرهن اصطلاحا
والرهن : هو توثيق الدين بشيء يمكن استيفاؤه منه إذا لم يقم المدين بإيفائه
الرهن عند الفقهاء
وللفقهاء عبارات متشابهة في الجملة تصور حقيقة الرهن فقها
وهو
( حبس مال وتوثيقه في مقابل حق يمكن استيفاؤه منه , ويسمى ذلك المال مرهونا ورهنا)
فالرهن عند الفقهاء هو عقد وثيقة بمال , أي عقد على أخذ وثيقة بمال لا بذمة شخص
فامتاز على الكفالة لأن التوثيق بها إنما يكون بذمة الكفيل , لا بمال يقبضه الدائن
ومعنى وثيقة أي متوثق بها , فقد توثق الدين بالرهن وصار مضمونا محكما بالعين المرهونة .
الرهن عند ( الحنفية )
الرهن : جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون .
الرهن عند ( المالكية )
الرهن : بذل من له البيع ما يباع - أو غررا - ولو اشترط في العقد وثيقة بحق .
الرهن عند (الشافعية )
الرهن شرعا : جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه .
ويسمى معطي الرهن ( الراهن ) , وآخذ الرهن ( المرتهن )
ويسمى ما أعطي من المال وثيقة للدين ( المرهون أو الرهن )
أما الدين فهو يسمى ( المرهون به )
الرهن عند ( الحنابلة)
الرهن في الشرع : المال اللذى يجعل وثيقة بالدين ليستوفى من ثمنه
إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه .
ويلاحظ من تعريف الفقهاء للرهن ما يلي :
- يعبر الشافعية والحنابلة عن المرهون بلفظ ( الدين )
فالشافعية يقولون هو ( وثيقة بدين ) والحنابلة يقولون هو ( توثقة دين )
ومعنى هذا أن المرهون به عندهم لا يكون إلا دينا فلا يكون عينا .
أما الحنفية والمالكية فقد عبروا عن المرهون به بأنه ( الحق )
فيقول الحنفية هو ( جعل الشيء محبوسا بحق)
ويقول المالكية هو ( وثيقة بحق )
- يرى الحنفية أن المرهون يجب أن يبقى محبوسا تحت يد المرتهن
ولا يستطيع الراهن أن يسترده ولو للانتفاع به حتى لو أذن المرتهن بذلك
فهم يقولون ( الرهن جعل الشيء محبوسا ) .
أما الشافعية فهم يرون عكس ذلك فإنه يجوز للراهن أن يسترد المرهون
للانتفاع به ولو قهرا إذا استدعى الأمر ذلك .
ويرى المالكية والحنابلة جواز استرداد المرهون للانتفاع به إذا أذن المرتهن
والخلاف بينهما أن لزوم العقد يفوت عند الحنابلة , والحيازة عند المالكية
وليس المراد من أخذ الرهن عند المالكية التسليم الفعلي
لأن التسليم بالفعل ليس شرطا عندهم لانعقاد الرهن
ولا لصحته , ولا للزومه , بل ينعقد ويصح ويلزم بالصيغة
أي بمجرد الإيجاب والقبول , أي كالكفالة , ثم يطلب المرتهن أخذه .
وللرهن المتفق عليه بين العاقدين أحوال ثلاثة :
الحال الأولى
أن يقع مع العقد المنشئ للدين : كأن يشترط البائع على للمشترى بثمن مؤجل
إلى المستقبل في مدة معينة تسليم رهن بالثمن .
وهذا صحيح باتفاق المذاهب , لأن الحاجة داعية إليه .
الحال الثانية :
أن يقع بعد الحق أو نشوء الدين : وهو صحيح أيضا بالاتفاق
لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به
فجاز أخذها به كالضمان ( الكفالة )
وآية { فرهان مقبوضة } تشير إليه , لأن الرهن بدل عن الكتابة
( كتابة الدين ) والكتابة بعد وجوب الحق .
الحال الثالثة :
أن يقع قبل نشوء الحق: مثل رهنتك متاعي هذا بمائة تقرضنيها
يصح عند المالكية والحنفية , لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبل وجوبه كالكفالة
وهذا هو المعقول .
ولا يصح عند الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب كما تقدم
لأن الوثيقة بالحق لا تلزم قبله كالشهادة , لأن الرهن تابع للحق فلا يسبقه .
هذا والله اعلى واعلم واعز واكرم