ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى ينيب إلى الله ويخبت إليه ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه, الذي لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به, فيه يطمئن, وإليه يسكن, وإليه يأوي, وبه يفرح, وعليه يتوكل, وبه يثق, وإياه يرجو, وله يخاف.
فإذا حصل له ربه سكن إليه واطمأن به و زال ذلك الإضطراب والقلق وانسدت تلك الفاقة. فإن في القلب فاقة لا يسدها شيء سوى الله أبداً, وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه, وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده.
قال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا, خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها, قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وطاعته.
وقال آخر: إنه ليمر بي أوقات أقول فيها إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.
وقال آخر: والله ما طابت الدنيا إلا بمحبته وطاعته, ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته.
وقال أبو الحسين الوراق: حياة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت, والعيش الهني الحياة مع الله تعالى لا غير.
وقال آخر: من قرت عينه بالله قرت به كل عين, ومن لم تقر عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات.
ومن علامات صحة القلب: أنه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه وغمه بالدنيا واشتد عليه الخروج منها, ووجد فيها راحته ونعيمه, وقرة عينه وسرور قلبه.
ومن علامات صحته: أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعاً من أشد الناس شحاً بماله.
ومنها: أن يكون إهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل, فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان, ويشهد مع ذلك منّة الله فيه وتقصيره في حق الله.
فلله هاتيك القلوب وما انطوت عليه من الضمائر, وماذا أودعته من الكنوز والذخائر, ولله طيب أسرارها ولا سيما يوم تبدو السرائر.