إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستهديه ونستغفره، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرور أنُفْسِنَا ومِنْ سَيئاتِ أعْمَالِنَا
مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ
وَأَشْهَدُ َأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا
وارزقنا من كرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع
ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا يُستجابُ لها.
نبدأ بعون الله في موضوع شرح هذه العقيدة القيمة المباركة، عقيدة الإمام أبي جعفر الطّحاويّ الأزدي المصري الحنفي .
عبرة من حياة الطحاوي
الإمام الطّحاويّ كَانَ ابن أخت المزني صاحب الشَّافِعِيّ ّ، ونفع الشافعية
ومع ذلك لما بدا له أن الحق في مذهب أبي حنيفة صار عَلَى مذهبه
ومع ذلك أيضاً لم يكن متقيداً بكل ما ورد في المذهب؛ بل كَانَ يفتي بخلافه.
ولما سُئل: لماذا تفتي بخلاف مذهب أبي حنيفة ، وأنت عَلَى مذهبه؟!!
قَالَ: (وهل من مقلد إلا غبي).
يعني أن رائده العلم وهدفه هو البحث عن الدليل، واتباع الحق مع أي إمام كان، وتحت أي شعار، وفي أي كتاب.
وله رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مؤلفات عظيمة تدل عَلَى سعته في العلم.
وقد كتب هذه العقيدة ليبين عقيدة الإمام أبي حنيفة وتلميذيه أبي يوسف ومُحَمَّد بن الحسن
وليقول للمسلمين وللحنفية - وهم أكثر
المذاهب الأربعة أتباعاً -: إن العقيدة الصحيحة هي هذه العقيدة أياً كَانَ المذهب الذي يدين به الإِنسَانُ
فإنه لا يجوز له أن يعتقد إلا هذه العقيدة.
ثُمَّ بعد ذلك تبقى أحكام الفقه -وخاصة الاجتهادية منها أو النظرية المحضة- فلا حرج عَلَى أحد أن يتخذ منها ما يشاء
متمشياً مع القواعد الشرعية والأصول العامة مادام أهلاً لأن يجتهد.
عبرة من حياة ابن أبي العز
ومن العبر التي ينبغي أن نكتسبها من حياة الإمام ابن أبي العز : أنه رحمه الله تعالى جاهد في الله جهاداً كبيراً
من أجل هذه العقيدة، وقد أدى تمسكه بهذه العقيدة التي شرحها إِلَى أن يضطهد ويسجن
مع أنه كَانَ يسمى" قاضي القضاة " أي أكبر القضاة، وإن كَانَ هذا الاسم لا يجوز أن يُسمى به.
وولي قضاء مصر فكان القاضي الأكبر في دولة المماليك، ثُمَّ ظهر أحد أمراء المماليك
فَقَالَ قصيدة -إما أنه قالها أو أنها قيلت له- وكان فيها شرك وغلو، ، وفي القرن الثالث وما قبله وبعده
كثر الغلو في رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشرك في كلام الشعراء ، فأنكر الإمام القاضي ابن أبي العز
ما في هذه القصيدة من الشرك، ولم يبال بأن قائلها من الأمراء والأسرة الحاكمة المملوكية
وفي الحديث {إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر}
فلما قال كلمة الحق في هذه القصيدة وبيّن ما فيها من الشرك
أدى ذلك إِلَى أن يعزل من منصبه ويضطهد ويفقد الجاه.
ولكنه - وهذا هو الأهم - لم يفقد العقيدة الصحيحة التي هي أغلى ما يملك الإِنسَان
فمهما فقد من أعراض الدنيا ومناصبها ومتاعهافإنه ليس بفاقدٍ حقيقةً
إلا إذا فقد العقيدة الحقة التي يدين الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بها.
>>>>الى اللقاء في الجزء الثاني من المقدمة <<<<